فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {يسبح له ما في السموات والأرض وما في الأرض له الملك وله الحمد} يعني أنه تعالى متصرف في ملكه كيف يشاء تصرف اختصاص لا شريك له فيه وله الحمد لأن أصول النعم كلها منه وهو الذي يحمد على كل حال فلا محمود في جميع الأحوال إلا هو {وهو على كل شيء قدير} يعني أنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء كما يشاء بلا مانع ولا مدافع {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} قال ابن عباس: إن الله تعالى خلق بني آدم مؤمنا وكافرا ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا (م) عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لهم وهم في أصلاب آبائهم» (ق) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الزرق فما الأجل فيكتب ذلك وهو في بطن أمه» وقال جماعة في معنى الآية إن الله تعالى خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا لأن الله ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم فقال فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم اختلفوا في تأويلها فروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة وقال عطاء بن أبي رباح فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب وقيل فمنكم كافر أي بأن الله خلقه وهم الدهرية وأصحاب الطبائع ومنكم مؤمن أي بأن الله خلقه وجملة القول فيه أن الله تعالى خلق الكافر وكفره فعلا له وكسبا وخلق المؤمن وإيمانه فعلا له وكسبا فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله وبمشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختال الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه هذا طريق أهل السنة فمن سلك هذا أصاب الحق وسلم من مذهب الجبرية والقدرية {والله بما تعملون بصير} أي أنه عالم بكفر الكافر وإيمان المؤمن.
{خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم} أي إنه أتقن وأحكم صوركم على وجه لا يوجد مثله في الحسن والمنظر من حسن القامة والمناسبة في الأعضاء وقد علم بهذا أن صورة الإنسان أحسن صورة وأكملها {وإليه المصير} أي المرجع في القيامة {يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور} معناه أنه لا تخفى عليه خافية فاستوى في علمه الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم قوله تعالى: {ألم يأتكم} يخاطب كفار مكة {نبأ الذين كفروا من قبل} يعني خبر الأمم الخالية {فذاقوا وبال أمرهم} أي جزاء أعمالهم وهو ما لحقهم من العذاب في الدنيا {ولهم عذاب أليم} أي في الآخرة {ذلك} أي الذي نزل بهم من العذاب {بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا} معناه أنهم أنكروا أن يكون الرسول بشرا وذلك لقلة عقولهم وسخافة أحلامهم ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجرا {فكفروا} أي جحدوا وأنكروا {وتولوا} أي أعرضوا {واستغنى الله} أي عن إيمانهم وعبادتهم {والله غني} أي عن خلقه {حميد} أي في أفعاله.
ثم أخبر الله تعالى عن إنكارهم البعث {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل} أي قل لهم يا محمد {بلى وربي لتبعثن} أي يوم القيامة {ثم لتنبؤن} أي لتخبرن {بما عملتم وذلك على الله يسير} أي أمر البعث والحساب يوم القيامة {فآمنوا بالله ورسوله} لما ذكر حال الأمم الماضية المكذبة وما نزل بهم من العذاب قال فآمنوا أنتم بالله ورسوله لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من العقوبة {والنور الذي أنزلنا} يعني القرآن سماه نورا لأنه يهتدى به في ظلمات الضلال كما يهتدى بالنور في الظلمة {والله بما تعملون خبير} يعني أنه مطلع عليكم عالم بأحوالكم جميعا فراقبوه وخافوه.
قوله: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} يعني يوم القيامة يجمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات وأهل الأرضين {ذلك يوم التغابن} من الغبن وهو فوت الحظ والمراد في المجازاة والتجارة وذلك أنه إذا أخذ الشيء بدون قيمته فقد غبن والمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة وذلك لأن كل كافر له أهل ومنزل في الجنة لو أسلم فيظهر يومئذ غبن كل كافر يتركه الإيمان ويظهر غبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وقيل إن قوما في النار يعذبون وقوما في الجنة ينعمون فلا غبن أعظم من هذا وقل هو غبن المظلوم للظالم لأن المظلوم مغبون في الدنيا فصار في الآخرة غابنا لظالمة وأصل الغبن في البيع والشراء وقد ذكر الله في حق الكافرين أنهم خسروا وغبنوا في شرائهم فقال تعالى: {اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة} وقال في حق المؤمنين {هل أدلكم على تجارة} وقال: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} فخسرت صفقة الكافرين وربحت صفقة المؤمنين {ومن يؤمن بالله} على ما جاءت به الرسل من الإيمان بالبعث والجنة والنار {ويعمل صالحا} أي في إيمانه إلى أن يموت على ذلك {يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا} أي بوحدانية الله وقدرته {وكذبوا بآياتنا} أي الدالة على البعث {أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} أي بقضاء الله وقدره وإرادته {ومن يؤمن بالله} أي يصدق أنه لا يصيبه مصيبة من موت أو مرض أو ذهاب مال ونحو ذلك إلا بقضاء الله وقدره وإذنه {يهد قلبه} أي يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضاء الله تعالى وقدره وقيل يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء {والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله} أي فيما أمر {وأطيعوا الرسول} أي فيما جاء به عن الله وما أمركم به {فإن توليتم} أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه {فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو} أي لا معبود ولا مقصود إلا هو {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوّا لكم فاحذروهم} عن ابن عباس قال هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين فهموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوّا لكم فاحذروهم} الآية أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعنه قالوا لهم صبرنا على إسلامكم فلا صبر لنا على فراقكم فأطاعوهم وتركوا الهجرة فقال تعالى فاحذروهم أي أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا} هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر ثم هاجر فرأى الذين قد سبقوه بالهجرة فقد فقهوا في الدين فهم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه ومنعوه عن الهجرة لما لحقوا به ولا ينفق عليهم ولا يصيبهم بخير فأمره الله بالعفو والصفح عنهم وقال عطاء بن يسار نزلت في عوف بن مالك الأشجعي وكان ذا أهل وولد فإذا أراد أن يغزو بكوا عليه ورققوه وقالوا إلى من تدعنا فيرق عليهم فيقيم فأنزل الله تعالى «إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم» بحملهم إياكم على ترك طاعة الله {فاحذروهم} أي أن تقبلوا منهم {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا} أي فلا تعاقبوهم على خلافكم {فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة} أي بلاء واختبار وشغل عن الآخرة وقد يقع الإنسان بسببهم في العظائم ومنع الحق وتناول الحرام وغصب مال الغير ونحو ذلك {والله عنده أجر عظيم} يعني الجنة والمعنى لا تباشروا المعاصي بسبب أولادكم ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم قال بعضهم لما ذكر الله العداوة أدخل من للتبعيض فقال: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم} لأنهم كلهم ليسوا بأعداء ولم يذكر من في قوله: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} لأنهم لم يخلوا من الفتنة واشتغال القلب بهم وكان عبد الله بن مسعود يقول لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى أهل ومال وولد إلا يشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} أي ما أطقتم وهذه الآية ناسخة لقوله: {اتقوا الله حق تقاته} {واسمعوا وأطيعوا} أي لله ولرسوله فيما يأمركم به وينهاكم عنه {وأنفقوا} أي من أموالكم حق الله الذي أمركم به {خيرا لأنفسكم} أي ما أنفقتم في طاعة الله {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} تقدم تفسيره.
{إن تقرضوا الله قرضا حسنا} القرض الحسن هو التصدق من الحلال مع طيبة نفس يعني إن تقرضوا أي تنفقوا في طاعة الله متقربين إليه بالإنفاق {يضاعفه لكم} أي يجزكم بالضعف إلى سبعمائة إلى ما يشاء من الزيادة {ويغفر لكم والله شكور} يعني يحب المتقربين إليه {حليم} أي لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبهم {عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم} والله أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة التغابن:
{يُسبّحُ لله ما في السماوات وما في الأرض لهُ الملك ولهُ الحمد وهُو على كُلّ شيء قدِيرٌ}
قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل، وذلك لأن الملك على الحقيقة له لأنه مبدئ كل شيء والقائم به، وكذا الحمد لأن أصول النعم وفروعها منه، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده {هُو الذي خلقكُمْ فمِنكُمْ كافِرٌ ومِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} أي فمنكم آتٍ بالكفر وفاعل له، ومنكم آتٍ بالإيمان وفاعل له، ويدل عليه {والله بِما تعْملُون بصِيرٌ} أي عالم وبصير بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم.
والمعنى هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم، وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين، فما بالكم تفرقتم أمما فمنكم كافر ومنكم مؤمن؟ وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم وهو رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين.
وقيل: هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية، ومنكم مؤمن به.
{خلق السماوات والأرض بالحق} بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقار المكلفين ليعملوا فيجازيهم {وصوّركُمْ فأحْسن صُوركُمْ} أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب، ومن كان دميما مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن، وقالت الحكماء: شيئان لا غاية لهما، الجمال والبيان {وإِليْهِ المصير} فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم {يعْلمُ ما في السماوات والأرض ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون والله علِيمُ بِذاتِ الصدور} نبه بعلمه ما في السماوات والأرض، ثم بعلمه بما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه بذات الصدور أن شيئا من الكليات والجزئيات غير خافٍ عليه فحقه أن يتقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه.
وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد وكل ما ذكره بعده قوله: {فمِنكُمْ كافِرٌ ومِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالف ولا تشكر نعمته.
{ألمْ يأْتِكُمْ} الخطاب لكفار مكة {نبؤُاْ الذين كفرُواْ مِن قبْلُ} يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط {فذاقُواْ وبال أمْرِهِمْ} أي ذاقوا وبال كفرهم في الدنيا {ولهُمْ عذابٌ ألِيمٌ} في العقبى.
{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعد لهم من العذاب في الآخرة {بِأنّهُ} بأن الشأن والحديث {كانت تّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات {فقالواْ أبشرٌ يهْدُوننا} أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر {فكفرُواْ} بالرسل {وتولّواْ} عن الإيمان {واستغنى الله} أطلق ليتناول كل شيء ومن جملته أيمانهم وطاعتهم {والله غنِىٌّ} عن خلقه {حمِيدٌ} على صنعه.
{زعم الذين كفرُواْ} أي أهل مكة، والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم {أن لّن يُبْعثُواْ} {أن} مع ما في حيزه قائم مقام المفعولين وتقديره أنهم لن يبعثوا {قُلْ بلى} هو إثبات لما بعد {لن} وهو البعث {وربِّى لتُبْعثُنّ} أكد الإخبار باليمين.
فإن قلت: ما معنى اليمين على شيء أنكروه؟ قلت: هو جائز لأن التهديد به أعظم موقعا في القلب فكأنه قيل لهم: ما تنكرونه كائن لا محالة.
{ثُمّ لتُنبّؤُنّ بِما عمِلْتُمْ وذلِك} البعث {على الله يسِيرٌ} هين {فئامِنُواْ بالله ورسُولِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {والنور الذي أنزلْنا} يعني القرآن لأنه يبين حقيقة كل شيء فيهتدي به كما بالنور {والله بِما تعْملُون خبِيرٌ} فراقبوا أموركم {يوْم يجْمعُكُمْ} انتصب الظرف بقوله: {لتُنبّؤُنّ} أو بإضمار (اذكر) {لِيوْمِ الجمع} ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون {ذلِك يوْمُ التغابن} وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغبن بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء، كما ورد في الحديث، ومعنى ذلك يوم التغابن.
وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظام له وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا {ومن يُؤْمِن بالله ويعْملْ صالحا} صفة للمصدر أي عملا صالحا {يُكفّرْ عنْهُ سيئاته ويُدْخِلْهُ} وبالنون فيهما: مدني وشامي {جنات تجْرِى مِن تحْتِها الأنهار خالدين فِيها أبدا ذلِك الفوز العظيم الذين كفرُواْ وكذّبُواْ بآياتنا أُوْلئِك أصحاب النار خالدين فِيها وبِئْس المصير}.
{ما أصاب مِن مُّصِيبةٍ} شدة ومرض وموت أهل أو شيء يقتضي همّا {إِلاّ بِإِذْنِ الله} بعلمه وتقديره ومشيئته كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه {ومن يُؤْمِن بالله يهْدِ قلْبهُ} للاسترجاع عند المصيبة حتى يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
أو يشرحه للازدياد من الطاعة والخير، أو يهد قلبه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعن مجاهد: إن ابتلي صبر وإن أعطى شكر وإن ظلم غفر {والله بِكُلّ شيْء علِيمٌ وأطِيعُواْ الله وأطِيعُواْ الرسول فإِن تولّيْتُمْ} عن طاعة الله وطاعة رسوله {فإِنّما على رسُولِنا البلاغ المبين} أي فعليه التبليغ وقد فعل {الله لا إله إِلاّ هُو وعلى الله فلْيتوكّلِ المؤمنون} بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه.
{يأيُّها الذين ءامنُواْ إِنّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عدُوّا لّكُمْ} أي إن من الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم، ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقّونهم {فاحذروهم} الضمير للعدو أو للأزواج والأولاد جميعا أي لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عدوّ فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم {وإِن تعْفُواْ} عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها {وتصْفحُواْ} تعرضوا عن التوبيخ {وتغْفِرُواْ} تستروا ذنوبهم {فإِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ} يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنكم سيئاتكم.
قيل: إن ناسا أرادوا الهجرة عن مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا: تنطلقون وتضيعوننا.
فرقوا لهم ووقفوا، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فزين لهم العفو.
{إِنّما أموالكم وأولادكم فِتْنةٌ} بلاء ومحنة لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما {والله عِنْدهُ أجْرٌ عظِيمٌ} أي في الآخرة وذلك أعظم من منفعتكم بأموالكم وأولادكم.
ولم يدخل فيه (من) كما في العداوة لأن الكل لا يخلو عن الفتنة وشغل القلب وقد يخلو بعضهم عن العداوة {فاتقوا الله ما استطعتم} جهدكم ووسعكم، قيل: هو تفسير لقوله: {حقّ تُقاتِهِ} [آل عمران: 102] {واسمعوا} ما توعظون به {وأطِيعُواْ} فيما تؤمرون به وتنهون عنه {وأنْفِقُواْ} في الوجوه التي وجبت عليكم النفقة فيها {خيْرا لأنفُسِكُمْ} أي انفاقا خيرا لأنفسكم.
وقال الكسائي: يكن الإنفاق خيرا لأنفسكم والأصح أن تقديره ائتوا خيرا لأنفسكم وافعلوا ما هو خير لها، وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان، لأن هذه الأمور خير لأنفسكم من الأموال والأولاد وما أنتم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا {ومن يُوق شُحّ نفْسِهِ} أي البخل بالزكاة والصدقة الواجبة {فأُوْلئِك هُمُ المفلحون إِن تُقْرِضُواْ الله قرْضا حسنا} بنية وإخلاص، وذكر القرض تلطف في الاستدعاء {يضاعفه لكُمْ} يكتب لكم بالواحدة عشرا أو سبعمائة إلى ما شاء من الزيادة {ويغْفِرْ لكُمْ والله شكُورٌ} يقبل القليل ويعطي الجزيل {حلِيمٌ} يقيل الجليل من ذنب البخيل أو يضعف الصدقة لدافعها ولا يعجل العقوبة لمانعها {عالم الغيب} أي يعلم ما استتر من سرائر القلوب {والشهادة} أي ما انتشر من ظواهر الخطوب {العزيز} المعز بإظهار العيوب {الحكيم} في الإخبار عن الغيوب، والله أعلم. اهـ.